سورة الحجرات - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} قصد بهذه الآية. النهي عن التفاخر بالأنساب، وبين التساوي فيها بأن خلقهم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء.
ثم قال: {وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَرَفُواْ} فبين أن الشعوب والقبائل للتعارف لا للافتخار، وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشعوب النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب، قاله مجاهد، وقتادة. وقال الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم *** كريم قد يعد ولا نجيب
وسموا شعوباً لأن القبائل تشعبت منها.
الثاني: أن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبيلة ربيعة ومضر وسائر عدنان.
الثالث: أن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب.
ويحتمل رابعاً: أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشتركون في الأنساب، قال الشاعر:
وتفرقوا شعباً فكل جزيرة *** فيها أمير المؤمنين ومنبر
والشعوب جمع شَعب بفتح الشين، والشِّعب بكسر الشين هو الطريق وجمعه شعاب، فكان اختلاف الجمعين مع اتفاق اللفظين تنبيهاً على اختلاف المعنيين.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} إن أفضلكم، والكرم بالعمل والتقوى لا بالنسب.


قوله عز وجل: {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم أقروا ولم يعملوا، فالإسلام قول والإيمان عمل، قاله الزهري.
الثاني: أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا فأعلمهم أن اسمهم أعراب، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم مَنُّوا على رسول الله صلى الله بإسلامهم فقالوا أسلمنا، لم نقاتلك، فقال الله تعالى لنبيه: قل لهم: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا خوف السيف، قاله قتادة. لأناهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فلم يكونوا مؤمنين، وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين، فيكون مأخوذاً من الاستسلام لا من الإسلام كما قال الشاعر:
طال النهار على من لا لقاح له *** إلا الهدية أو ترك بإسلام
ويكون الإسلام والإيمان في حكم الدين على هذا التأويل واحداً وهو مذهب الفقهاء، لأن كل واحد منهما تصديق وعمل.
وإنما يختلفان من وجهين:
أحدهما: من أصل الاسمين لأن الإيمان مشتق من الأمن، والإسلام مشتق من السلم.
الثاني: أن الإسلام علم لدين محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان لجميع الأديان، ولذلك امتنع اليهود والنصارى أن يتسموا بالمسلمين، ولم يمتنعوا أن يتسموا بالمؤمنين. قال الفراء: ونزلت هذه الآية في أعراب بني أسد.
قوله عز وجل: {لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئاً} فيه وجهان:
أحدهما: لا يمنعكم من ثواب عملكم شيئاً، قال رؤبة:
وليلة ذات سرى سريت *** ولم يلتني عن سراها ليت
أي لم يمنعني عن سراها.
الثاني: ولا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً، قال الحطيئة:
أبلغ سراة بني سعد مغلغلة *** جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذباً
أي لا نقصاً ولا كذباً.
وفيه قراءتان: {يَلِتْكم} و{يألتكم} وفيها وجهان:
أحدها: أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني: يألتكم أكثر وأبلغ من يلتكم.
قوله عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُم} الآية. هؤلاء أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام خوفاً، وأبطنوا الشرك اعتقاداً فأظهر الله ما أبطنوه وكشف ما كتموه، ودلهم بعلمه بما في السموات والأرض علم علمه بما اعتقدوه، وكانوا قد منوا بإسلامهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا فضلنا على غيرنا بإسلامنا طوعاً.
فقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُونُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} وهذا صحيح لأنه إن كان إسلامهم حقاً فهو لخلاص أنفسهم فلا مِنَّةَ فيه لهم، وإن كان نفاقاً فهو للدفع عنهم، فالمنة فيه عليهم.
ثم قال: {بِلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أن هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله أحق أن يمن عليكم أن هداكم للإيمان حتى آمنتم. وتكون المنة هي التحمد بالنعمة.
الثاني: أن الله تعالى ينعم عليكم بهدايته لكم، وتكون المنة هي النعمة. وقد يعبر بالمنة عن النعمة تارة وعن التحمد بها أخرى.
{إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني فيما قلتم من الإيمان.

1 | 2 | 3